التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
تُعد صفة الزهد من الصفات الأساسية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لذلك قال عنه سعد بن أي وقاص: « كَانَ أَزْهَدَنَا فِي الدُّنْيَا»
تُعد صفة الزهد من الصفات الأساسية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، أو بالأحرى أنها من الصفات العجيبة لعمر لاسيما وأنه كان يحكم دولة تعادل ست عشرة دولة من دول عالمنا المعاصر، عن ابن أبي شيبة: قَالَ سَعْدٌ: «أَمَا وَاللَّهِ مَا كَانَ بِأَقْدَمِنَا إِسْلَامًا وَلَا أَقْدَمِنَا هِجْرَةً، وَلَكِنْ قَدْ عَرَفْتُ بِأَيِّ شَيْءٍ فَضَلَنَا: كَانَ أَزْهَدَنَا فِي الدُّنْيَا يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ»[1]، هذا ما قاله سعد بن أبي وقاص عن زهد عمر، فكيف كان يزهد عمر رضي الله عنه؟
1- كان يسرع في التخلُّص من الدنيا:
كان يفرح بالدنيا كعامة الناس، ولكنه كان سريع التخلُّص منها، وينظر إليها على أنها فتنة خطرة على دينه: قال عمر رضي الله عنه تعليقًا على آية ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالحَرْثِ، ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [آل عمران: 14]: «اللَّهُمَّ إِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَهُ لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّهِ»[2].
لم يحب الإمارة إلا في موقف واحد:
روى مسلم عَنْ أَبِي هريرة، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ» قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، قَالَ فَتَسَاوَرْتُ (تطاولت لكي أظهر) لَهَا رَجَاءَ أَنْ أُدْعَى لَهَا، قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا.."[3].
2- يمكن أن يكون المال طريق المعاصي، فيُهلك الإنسان:
قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ[4]﴾ [البقرة: 266]؟ قَالُوا: اللهُ أَعْلَمُ. فَغَضِبَ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ: «قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لاَ نَعْلَمُ». فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلاَ تَحْقِرْ نَفْسَكَ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ. قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «أَيُّ عَمَلٍ؟» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لِعَمَلٍ. قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللهِ عز وجل، ثُمَّ بَعَثَ اللهُ لَهُ الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ»[5]!
3- كان يخشى أن تدفعه الدنيا إلى الكِبْر:
قد يكون له انعكاس على اللباس والهيئة، ولكن ليس هذا هو الأساس: عَنْ أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ رَقَعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ ثَلَاثٍ، لَبَّدَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
4- كان يخشى أن تكون الدنيا همَّه عوضًا عن الآخرة
فلسفة قيمة الدنيا بالنسبة للآخرة:
روى أحمد وهو صحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا، إِلا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا»[6].
روى البخاري عن عمر: ".. ثُمَّ رَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ البَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ[7] ثَلاَثَةٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ، فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ، وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: «أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الخَطَّابِ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَغْفِرْ لِي.."[8].
وفي رواية عند البخاري أيضًا: ".. فَرَأَيْتُ أَثَرَ الحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ»[9].
أيضًا لا يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم منع المسلمين من التمتُّع بالدنيا الحلال. قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 32].
ولكن المقصود ألا تشغل عليك تفكيرك فتعمل لها ولا تعمل بالجهد نفسه للآخرة.
يعني لو أخذوا الدنيا دومًا وهذا لا يحدث- فما المانع؟ لهم الدنيا ولنا الآخرة، أيضًا الدنيا شاغلة للمؤمن، ودافعة له للتنافس مع إخوانه من المسلمين، وهذا يبعده عن الآخرة، فهذا ملمح آخر يدفع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحرص على "البعد" عن الدنيا ولو جاءته، وهو ما ترسَّخ في فكر عمر، وقد َقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا بِالصَّبْرِ»[10]،[11].
[1] ابن أبي شيبة: المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض
الطبعة الأولى، 1409هـ، 6/ 358.
[2] ذكره البخاري تعليقًا، البخاري: كتاب الرقاق، باب قول النبي r: «هَذَا المَالُ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ».
[3] مسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (2405).
[4] ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾.
[5] البخاري: كتاب التفسير، سورة البقرة، (4264).
[6] أحمد (3708).
[7] أَهَبَة جمع إهاب، وهو الجلد غير المدبوغ، وأعتقد أن طرح عمر كان منشأه الشفقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
[8] البخاري: باب الغرفة والعلية المشرفة في السطوح وغيرها (2336)
[9] البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة الطلاق (4629).
[10] ذكره البخاري تعليقًا، البخاري: كتاب الرقاق، باب الصبر عن محارم الله، وابن كثير: مسند الفاروق أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب t وأقواله على أبواب العلم، 3/54.
[11] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: زهد عمر بن الخطاب
التعليقات
إرسال تعليقك